آخر الأخبار

شروق شطناوي تكتب : لا تبك .. انت رجل

شروق شطناوي تكتب : لا تبك .. انت رجل
جوهرة العرب - بقلم شروق شطناوي – مؤسسة شورى لبناء التوافقات الوطنية 

 الرجال لا يبكون، ولكن يصابون بالجنون.

*إحدى إشكاليات الصور النمطية السلبية المرتبطة بالرجال، والعنف النفسي ضد الرجل في المجتمعات العربية.

لا تبك، أنت رجل!
لطالما استفزت هذه النصيحة مشاعر الرجال، ولطالما وجهت لرجالنا حال رغبتهم بالبكاء نتيجة شعورهم بالعجز أوالخذلان، أو الحزن او الاكتئاب. 
"الرجال لا يبكون"، وكأن اقتصار البكاء على المرأة فقط، وأن الرجال قد خرجوا من دائرة حساب المشاعر والعواطف والأحاسيس، وكأنه لا يحق لهم التعبير عن مكنونات صدورهم وما يخالجهم من مشاعر.
"لا تبك كالنساء"، لطالما كانت بديلاً عن الاعتراف بمشاعر الرجل في مجتمعاتنا العربية، فلا يحق لك التعبير عن سخطك، ألمك، معاناتك، ضعفك، خذلانك، حزنك، أو فقدانك لمن تحب. وفي حال حدوث ذلك ستصبح أحمقاً أو انساناً مثيراً للشفقة. فلسان حالنا يقول بأن كل ما سيصيبك أيها الرجل، هو أفضل حالاً من ذرفك الدموع، أو التعبير عن ما يجول في خاطرك ومكنونات صدرك.

"الرجال لا يبكون"، كانت سبباً في زيادة حدة التوتر والعنف والمشاعر السلبية لدى الرجال وخاصة في مجتمعاتنا العربية الحالية، التي بفضلها يهرب الرجل من حزنه إلى كهفه البعيد، فيصبح أكثر انطوائية وعزلة وعدوانية أو ربما يزيد هذا الأمر من حدة توتره وعنفه تجاه الآخرين والمقربين. حيث يصبح بعضهم عنيفاً وشرساً. وفي أفضل الأحوال، من يحالفه الحظ منهم يصبح انطوائياً معقداً ومعزولاً في مساحته الشخصية المغلقة، والأدهى من ذلك أنه يبدأ بالشكوى من الوحدة وابتعاد الآخرين عنه. إن الكبت العاطفي الذي يعانيه بعض رجال المجتمعات العربية، هو أقرب ما يكون للانتحار النفسي الذي يقود لنوبات من الجنون. فإما يعرض غيره لموجات عنف غير مسبوقة، أو أن يقوم بتعريض نفسه لمشاكل هو بغنى عنها.

إن هذا الكم الهائل من الكبت العاطفي والعنف النفسي نتيجة الصور النمطية الملتصقة بالرجال، التي يواجهها الرجل في حياته اليومية يؤثر سلباً على صحة الرجل وعلاقاته الاجتماعية والمحيطين حوله.

إن قبول الرجل بخيارات لا غنى عنها، مثل عدم البكاء أو التعبير عن العواطف، تؤهله للدخول في حالة من الاكتئاب التي من الممكن أن تؤدي للانتحار النفسي، أو التحول لشخص شرس سريع الغضب وعنيف وغير متسامح تجاه كل ما تراه عيناه وساخطاً بكل ما أوتي من قوة. وإن حدث وتغيّر الرجل للأسوأ، فتهمة كونه عنيفاً ضد غيره جاهزة لإلصاقها به وخاصة في بعض الحالات التي تتعرض فيها المرأة للأذى النفسي من الرجل.

إن إشكالية عدم البوح بالمشاعر، كافية أن تحول بعض الرجال تدريجياً إلى أشخاص يمارسون العنف ضد الآخرين لدرجة الجنون، ففاقد الشيء لا يعطيه، حيث ستتصدر لغة العنف بديلاً عن الحوار وسيقوم الرجل بممارسة السيطرة بشكل سلبي تجاه الآخرين وخاصة المقربين منه كالزوجة، محيط العائلة، الأصدقاء، الأطفال، أو زملاء العمل. وفي بعض الحالات يقوم الرجل بالسفر بعيداً هربًا من المشاعر السلبية والمواقف التي لا يستطيع التعامل معها. وأقرب مثال على ذلك هجران الزوجة وحالات التخلي عنها وعن أطفالها والاستقرار في الخارج أو بعيداً عنها دون سابق إنذار.

أجاب بعض الرجال عند سؤالهم عن الأشياء التي يفعلونها عند الشعور بالحزن أو العجز أو الاكتئاب بأن أول ما يبحث عنه الرجل هو الراحة في المنزل – ووجود من يدعمهم من العائلة والمنزل أولاً والمقربين. حيث يشكل العنف النفسي ضد الرجل من محيط المقربين وخاصة العائلة سبباً في مواجهة الرجل صعوبات تتعلق بتعزير مساره المهني.

ففي أغلب الأحيان تقبع الإشكالية النفسية لدى بعض الرجال عند غياب الدعم العاطفي والنفسي من هؤلاء المقربين رجالاً ونساءاً، في انعزال الرجل وانطوائه والبحث عن عزله تامة تقيه عناء النقاش، والعتب أو الملامة. وهو الأمر الذي يجعل الرجال من هذا المنطلق محط للشفقة والعزلة ونعته بالعنف ربما أو بالجنون.

فمنذ بدايات التربية التي يتعرض لها الرجل في المجتمعات التي لا تلقِ بالاً لمشاعره، يصاب بعض الرجال بحيرةٍ من أمرهم، فهم ما بين مطرقة التعبير عن مكنونات صدورهم وبين ما ينتظرونه من نعوت مجتمعية قاسية ستكون أشد وطئاً من دموعهم إذا انهمرت.
ويبقى التساؤل، لماذا يستوقفنا موضوع العنف ضد المرأة وتسمى ضحية عند قيامها بالبكاء والشكوى وطلب العون، وعند وقوع العنف وخاصة النفسي ضد الرجل يتم اعتباره ضعيفاً وغيرَ كفؤ ولا يصلح أن ينعت رجلاً أو أن يتم اعتباره كضحية.
ولماذا لا يتم ربط العنف ضد المرأة، بالعنف ضد الرجل ابتداءاً!

كل هذا يقودنا إلى فهم المجتمع الذكوري أو الباطرياركي أو السلطوي -سمَه كما شئت- والذي يلقي بظلاله ووطأته على كلا الجنسين. وهو مدلول يعبر عن سيطرة المؤسسات والثقافة والسياسات والتشريعات ذات البعد السلطوي والتمييزي كمنظومة تحكم حياة الافراد بطريقة تعاقب كل من لا يأتمر بأمرها. والرجل كما المرأة هو ضحية سلطة مجتمعية تحرمه حتى حقوقه بالبكاء في العلن إذا ما استلزم الأمر أو دعت اليه الحاجة والظروف.

أيها الرجل، في عالمنا هذا لا تدعهم ينعتوك بالجنون، بل اجمع دموعك واغتسل بها. فأن تكون أو لا تكون؛ هي المفارقة ما بين البكاء والجنون.