آخر الأخبار

الصحفية رنا حداد تكتب : عصا المثالية وفقاعات الوهم

الصحفية رنا حداد تكتب : عصا المثالية وفقاعات الوهم
جوهرة العرب - الصحفية رنا حداد / مدير دائرة المنوعات والفن "ملحق دروب" جريدة الدستور

في جولة على غرف (Clubhouse) أو حسابات (Linkedln)، ستشعر أن كل إنسان هناك منجز في حياته، بل يتمتع بخبرة ودراية ويحمل إمكانيات عالية. ستخرج مولولا على حالك، شاعراً بغصة، ولربما بشعور أنك الوحيد الفاشل في هذه الحياة.
تجد نفسك فجأة في (جروب) موقع إخباري او سياسي مثلا، ويا للهول! الجميع مثقف، ويدلي بدلوه، وقد صدف موقفا، وتصرف ببطولة في آخر، وهذا قرأ معلقة، وآخر مكتبته تزخر بوثائق وكتب لـ(فلان وعلان).
تجد انهم علية القوم فهما وادراكا للشأن كذا وبالشأن كذا.
تجلد نفسك وتعاقبها بكآبة، وتصرخ بوجهك: (يا جاهل)، يا عديم الثقافة، يا غير الضليع، لا سياسيا ولا اجتماعيا ولا أي شيء..!
تريد تغيير جو.. تتجه لتطبيقات أخرى، فترى لقطات السياحة والسفر، فتشعر بأنك (شجرة) لا تسافر..!
وأنتِ، تضعين إعجابا لصفحات المكياج والموضة، ثم تدخلين نفسك في دوامة (ليش الكل ستايل إلا أنا)؟! ثم تبدئين بكراهية بشرتك وجسمك وقياسك وأيضا خزانة ملابسك وخياراتك في الحياة عموما.
وإن قادك القدر لصفحات ومجموعات الصحة والرشاقة، تصبح كارها لشحمك ولحمك والمنسف والكنافة، لربما أيضا تتوجه لاقرب سوبر ماركت، باحثا عن شاي أخضر، أو عشبة كانت سابقا تنبت في حاكورة بيت جدك دون أدنى شهرة، واليوم هي حديث (الجروبات) الصحية.
رغم احترامي وتقديري لعالم السوشيال ميديا، واعترافي بما قدم للعالم والبشرية من معرفة وعلم واطلاع، إلا أنني أقف حزينة عند شعور النقص الذي يتولد لدى البعض، جراء مقارنات لحالهم وحياتهم بآخرين.
شعور مزعج أن هناك نقصا في شكلك وجسمك ولباسك وتعليمك وثقافتك وعلاقاتك وكل شيء يخصك.
رغم أنها يقين وواقع -وأعني هنا السوشيال ميديا- إلا أنني في كثير من المواطن أعتبرها كذبة كبيرة ووهما يجني منهما البعض الثمن، فيما يدفع البعض الآخر ثمنا هو الأغلى.. (شعوره بالنقص) وأنه غير كاف.
لا تلهث خلف أهداف غير حقيقية، لا تبحث عن كمال عشت عمرك دون الحاجة إليه، لا يوجد في كل التطبيقات نموذج لسعادة مطلقة، وإنما هناك سلام ثمنه الرضى.
الكمال، كذبة لمعتها (الفلاتر) وثقافة القص واللصق والبحث السريع. جميعنا نسعى إليه، لكن لا نصل، أما الوهم، فهو سريع الذوبان والتلاشي.
الان، تصفح هاتفك ولا تدخل تلك الفقاعات وانخرط في العالم الواسع والشاسع ممسكا بعصا ضد المثالية، فقط «عيش». 

الدستور