آخر الأخبار

خالد الوزني يكتب : رشاقة الاقتصاد

خالد الوزني يكتب : رشاقة الاقتصاد
جوهرة العرب - خالد الوزني
 
يتمحور الحديث في المفهوم الاقتصادي للرشاقة حول مجموعة معطيات تستهدف معرفة مدى رشاقة اقتصاد معين أمام المتغيرات والتحولات العالمية والإقليمية والمحلية. تلك المعطيات أساسها الأول القدرة على التعامل السريع والمرن مع التطورات والتغيرات والصدمات المحلية والإقليمية والعالمية، وبُعدها الثاني يرتكز على متانة ومرونة الروابط التكاملية بين الفاعلين في الاقتصاد، وخاصة ما يتعلق أفقياً بين القطاعين العام والخاص، ورأسياً بين مؤسسات ووحدات القطاع الواحد، سواء أكان حكومياً أم خاصاً. والبعد الثالث والأخير من تلك المعطيات يرتكز على مدى توافر البنية التحتية والرقمية المُيسِّرة والمُؤَهِّلة لاستشراف المستقبل وتحسُّس أثر التحولات الخارجية في قطاعات الاقتصاد المختلفة وعلى الفاعلين الاقتصاديين، حكومةً وقطاعَ خاصٍّ وأفراداً، وما يستتبع ذلك من قدرة ذاتية على التحوُّل المرن والسريع بهدف التأقلم مع المعطيات الإيجابية، وتجنُّب، أو تجاوز أو التخفيف من المعطيات والآثار السلبية الناتجة عن تلك التحولات. وتقوم دراسة مُعامِل، أو مؤشر، رشاقة الاقتصاد على متغيرات وعوامل أساسية حددتها الدراسات العالمية في متغيرات ومؤشرات تتعلق بالاقتصاد المعني، وتتلخص في سبعة مجالات هي: مدى الشفافية والحاكمية الرشيدة، ومستوى كفاءة السوق، ومعدل كفاءة ومهارة الموارد البشرية وسوق العمل، ومستوى الرقمنة والتقنية وانتشار التطبيقات الذكية، واستخدامات البيانات الكبرى وإنترنت الأشياء، ومستوى الابتكار والإبداع في الاقتصاد، ومُعامِل سرعة استجابة الحكومة للمتغيرات وقدرتها على التجديد الذاتي. المتغيرات السابقة تشكِّل البناء الأساسي لحساب مدى رشاقة الاقتصاد، وقدرته على تجديد نفسه، وتَبنّْي التحولات العالمية الإيجابية، والعمل بمرونة كافية للتحليق في فضاء الاقتصاد العالمي وحجز مساحة مناسبة له فيه، ليس فقط في نسق التوسُّع المحلي وخدمة القطاعات المحلية، بل وفي جذب الاستثمارات الخارجية واستقرارها واستدامة تدفُّقها واحتضانها بشكل آمن وفعّال وسريع.
وقد بادرت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً باتخاذ خطوات محورية استباقية ورشيقة للغاية، هدفها التحوُّل والتجديد الرشيق، عبر توجُّهات عامة تمحورت حول خمسة مقومات أساسية تلخص الأول منها في توجيه الحكومة إلى أنَّ القيادة الاقتصادية في المرحلة القادمة ستكون للمشاريع التحولية الكبرى، وليس للتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد فحسب. أمَّا المُقوِّم الثاني فقد ارتكز على ضرورة الاستعداد، في مجال العمل العام، لدورات عمل تغييرية مرنة وسريعة قادمة تتراوح بين ستة أشهر إلى عامين، بعكس الدورات الاستراتيجية السابقة التي كانت تترواح بين 5 إلى 10 سنوات. وحدد المجال الثالث لمقومات الرشاقة الاقتصادية، الذي اعتمدته حكومة دولة الإمارات، آلية التعامل مع المحددين السابقين وذلك عبر السعي إلى اعتماد أولويات قطاعية واضحة، يتبعها تحديد مشاريع تحويلية قطاعية واضحة، ومن ثمَّ تشكيل فرق العمل الوزارية المعنية لغايات التنفيذ، اعتماداً على كوادر وطنية قادرة على استيعاب التغيير، وتطبيق الرشاقة والمرونة المطلوبة لتحقيق الأهداف بالسرعة والرشاقة والكفاءة المطلوبة، وضمن معايير عالمية استباقية تكون أنموذجاً عالمياً في مجال كفاءة التنفيذ وفاعليته. أمّا المُقوِّم الرابع في الريادة في رشاقة الاقتصاد فقد استند إلى أهم مؤشرات الرشاقة والمرونة العالمية، وذلك عبر التأكيد على أنَّ العمل الرشيق يُحتِّم، بل ويُلزِم الجميع بالتحوُّل الكامل من المسؤولية المنفردة للوزارات إلى المسؤولية المشتركة لفرق العمل الميدانية للوحدات الحكومية، وفق مفهوم ومعايير مراقبة أداء وتقييم ومعايير إنجاز يتابعها مجلس الوزراء بشكل دائم. وأخيراً وليس آخراً، يقوم المحدد الخامس لمقومات تحقيق رشاقة حقيقية في الاقتصاد على وضع سُلم حوافز وترقيات لأداء الفرق التنفيذية وقدرتها على الإنجاز، من جهة، وقدرتها على التكامل والتنسيق فيما بينها من جهة ثانية. والجميل أنَّ ذلك كله سيرتكز على قيام مجلس الوزراء بواجباته في تحديد أول 10 فرق عمل ميدانية قطاعية، وأول 10 مشاريع تحولية كبرى، ووضع جداول زمنية وموازنات لتلك المشاريع، واعتماد حزمة حوافز واضحة لفرق العمل والإنجاز الميداني. هذا النموذج العملي من الرشاقة واستشراف المستقبل يستحقُّ الدراسة والمتابعة بعناية، كما يستحق أن يكون نموذجاً للحكومات الأخرى في المنطقة والعالم، بما يساعد على التنافس على الاقتصاد الأكثر رشاقة والأكثر قدرة على استشراف المستقبل، ضمن معطيات تخدم أولويات تنمية الاقتصاد وتطوير القوى البشرية فيه.
 
 
khwazani@gmail.com