آخر الأخبار

الدكتور محمد عبدالله العلي يكتب : الإرث الاستعماري في الانتقاد الأوروبي "للآخر" في إطار حقوق الإنسان

الدكتور محمد عبدالله العلي يكتب : الإرث الاستعماري في الانتقاد الأوروبي للآخر في إطار حقوق الإنسان
جوهرة العرب _ الدكتور محمد عبدالله العلي/ مركز تریندز للبحوث والاستشارات

في الخامس عشر من سبتمبر الجاري أصدر البرلمان الأوروبي قراراً دعا فیھ الشركات الدولیة
الراعیة لمعرض إكسبو 2020 دبي إلى سحب رعایتھا، وحث الدول الأعضاء في الاتحاد
الأوروبي على عدم المشاركة فیھ. كما دعا البرلمان الدائرة الأوروبیة للشؤون الخارجیة إلى
اقتراح اعتماد تدابیر مستھدفة من الاتحاد الأوروبي ضد المسؤولین عن حقوق الإنسان في دولة
الإمارات العربیة المتحدة، وذلك بموجب نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي العالمي لحقوق الإنسان.
وفي ردّ فعل سریع من دولة الإمارات العربیة المتحدة، عبر سعید الحبسي، مدیر إدارة حقوق
الإنسان في وزارة الخارجیة والتعاون الدولي، عن رفض الدولة للقرار، قائلاً: "نرفض بشدة
الادعاءات الواردة في النص، والتي تم تناولھا ورفضھا سابقاً باعتبارھا غیر صحیحة من الناحیة
الواقعیة. وفند الحبسي القرار مؤكداً أنھ یتجاھل بشكل كامل الإنجازات المھمة جمیعھا لدولة
الإمارات العربیة المتحدة في مجال حقوق الإنسان. وشدد الحبسي على أن "لكل دولة قوانینھا
ومؤسساتھا القانونیة الخاصة، ویكرس دستور الإمارات والتشریعات الوطنیة، الحقوق الأساسیة
التي تنص على المعاملة العادلة لجمیع المواطنین والمقیمین".
وقد عبرت مؤسسات حقوقیة عدة عن تضامنھا مع دولة الإمارات العربیة المتحدة في مواجھة
قرار البرلمان الأوروبي، فقد أعرب الاتحاد العربي لحقوق الإنسان عن "الاستنكار لما ورد في
قرار البرلمان الأوروبي من جملة واسعة من الافتراءات التي لا تعبر عن فھم ومعرفة بواقع
وحالة حقوق الإنسان في الإمارات". وأشار إلى أن ھذا القرار لا یعبر عن فھم ومعرفة "بما
یتمتع بھ المواطنون والمقیمون في الإمارات على حد سواء من كفالة لحقوقھم وحریاتھم تنطلق
من عنایة تشریعیة ومؤسساتیة تضمن الوفاء بالقیم والمبادئ الإنسانیة السامیة كافة التي نصت
علیھا المواثیق والصكوك الدولیة المعنیة بحقوق الإنسان".
لن أتحدث عن الإنجازات التي حققتھا دولة الإمارات العربیة المتحدة في مجال حقوق الإنسان،
فھي ظاھرة للعیان وتوجت مؤخراً بإنشاء "الھیئة الوطنیة لحقوق الإنسان". ھذه الإنجازات التي
شھد لھا القاصي والداني. البرلمان الأوروبي وحده الذي أصر على إنكارھا حین أصدر قراره
الذي افتقر إلى الموضوعیة، حیث تغافل - ربما عن عمد - الإشارة إلى الجھود التي بذلتھا الدولة
وتبذلھا من أجل دعم حقوق الإنسان وتجاھل تماماً ذكر أي إنجازات حققتھا في ھذا المجال
الحیوي. ویكفي في ھذا السیاق الحدیث عن ملمحین أساسیین یؤكدان مدى احترام الدولة لحقوق
الإنسان.
الملمح الأول یتسم بالعالمیة، حیث أدركت دولة الإمارات العربیة المتحدة تمام الإدراك مدى
أھمیة حقوق الإنسان باعتبارھا قیمة عالمیة محوریة یقاس بھا مدى تقدم الأمم والمجتمعات
والدول وتطورھا. فقد اھتمت الدولة بدعم ھذه الحقوق وترسیخھا خلال مراحل انتقالھا من دولة
في مرحلة التأسیس إلى دولة إقلیمیة مؤثرة في إقلیمھا المحیط، ثم إلى دولة ذات دور محوري في
 

المجتمع الدولي تمارس أدواراً مھمة تجاه القضایا العالمیة. خلال ھذه المراحل كان انتقال دولة
الإمارات مصحوباً بفكر عالمي یقوم على أھمیة التضامن والتعاون والعمل مع الآخرین
واحترامھم والإعلاء من شأنھم، سواء كانوا دولاً أو مجموعات أو أفراداً. أي إنھا راعت
الأعراف والقوانین الدولیة في مراحل تطورھا وتقدمھا، ما أكسبھا مكانة دولیة وثقة عالمیة في
قدرتھا على المشاركة في مواجھة التحدیات والأزمات الدولیة. وقد جاءت جھودھا في دعم جھود
الأسرة الدولیة لاحتواء جائحة "كوفید -19 "شاھداً على ھذه المكانة وتلك الثقة.
الملمح الثاني داخلي، یتعلق بالعمالة الوافدة، حیث یعمل في ربوع دولة الإمارات عمال یحملون
أكثر من 200 جنسیة یتمتعون بحقوقھم كافة ویعیشون في أمن وأمان ورخاء وازدھار،
ویمتلكون حریة تحویل أموالھم إلى بلادھم. وقد زادت تحویلات ھؤلاء العمال عام 2020 على
44 ملیار دولار، تسھم في بناء حیاة أسر كثیرة حول العالم، الأمر الذي یعني أن الدولة تسھم
بشكل مباشر في تحقیق رفاھیة الشعوب والمجتمعات عبر ما توفره لعمالتھا الوافدة من قدرة على
العمل وتحویل الأموال وبیئة یسودھا السلام والاستقرار والتعایش السلمي بین الأعراق كلھا
وأصحاب الدیانات المختلفة.
السؤال الذي أرید أن أطرحھ ھنا ھو من أین یستمد البرلمان الأوروبي صلاحیاتھ لانتقاد دولة
أخرى مستقلة لھا سیادتھا وسیاساتھا؟. تكمن الإجابة على ھذا السؤال في التاریخ الاستعماري
الأوروبي. ولا یقتصر الاستعمار كما یتصور بعضھم على احتلال الأرض والسیطرة على موارد
البلاد المستعمَرَة، بل یمتد إلى ما یسمى "التغریب التراكمي". ھذا التغریب لھ ھدفان: الأول ھو
أن یظل المستَعمَر مؤمناً بعدم قدرتھ على إدارة شؤون ھویتھ، وبالتالي وھنا یأتي الھدف الثاني
الناتج عن الأول وھو تحقیق تراكمیة تقبّل المُستَعمَر للمُستَعمِر كمصدر یدیر شؤون ھویتھ
وللتصرف الإنساني بدیلاً عنھ، وكلھا أمور تشیر إلى ھدف أكبر للاستعمار وھو ممارسة
السیطرة الفكریة التي تنطوي على الإخضاع العقلي والفكري للدول المستعمَرة.
وفق ھذا التصور تأتي قرارات بعض المؤسسات الغربیة مثل البرلمان الأوروبي التي تتضمن
النقد لدول أخرى بشأن حقوق الإنسان، حیث تستمد ھذه المؤسسات صلاحیاتھا المزعومة من
منطق التأكید على دورھا الذي أرادتھ الدول المستعمِرة لنفسھا بأنھا دول متمیزة ومتقدمة عن
الآخرین في مختلف المجالات وخاصة في مجال حقوق الإنسان. وھو منطق مملوء بالتناقضات،
ففیما تعطي ھذه المؤسسات لنفسھا الحق في توجیھ الانتقادات للآخرین، فإنھا في الوقت ذاتھ لا
تحترم حق ھؤلاء الآخرین في التعبیر عن رأیھم أي إنھا ببساطة لا تحترم الرأي الآخر.
إذا أمعنا النظر في ماھیة دراسات "مابعد الاستعمار" سنجد أن المنظّرین لفتوا الانتباه إلى
ممارسات متعلقة "بمن یمثل من؟". وینطوي ھذا السؤال على سؤال آخر مفاده: ھل ما زال للقوى
الاستعماریة الحق في تمثیل مستعمراتھا السابقة؟ وھنا أرید أن أسوق مثالاً من كتاب إدوارد سعید
بعنوان "الاستشراق"، الذي بُنى على دراسة الفیلسوف الفرنسي میشیل فوكو في تحلیل الخطاب
لإنتاج المعرفة، وھنا أحدد "الشرق" – مقارنة بالغرب، أو الشرق الأوسط كمثال. حیث یعنيمصطلح "الاستشراق" مجموعة منظمة ومركبة من المفاھیم والافتراضات والممارسات الخطابیة
التي یتم استخدامھا لإنتاج المعرفة وتقییمھا عن الشعوب غیر الأوروبیة. وتتراكم ھذه المعرفة
لدى الغرب لتصبح أداة من أدوات القوة والتفوق، حیث تتحول ھذه المعرفة إلى مجموعة من
أدوات التفاعل بین أوروبا والشعوب الأخرى. وھكذا، بینما خسرت أوروبا مستعمراتھا في
الشرق، فإنھا تحاول الإبقاء على أداة من أدوات تفوقھا الذي أرادتھ لنفسھا وھو تصنیف الآخرین
بأصناف دونیة منھا عدم احترام حقوق الإنسان. فقد أورد كتّاب دراسات ما بعد الاستعمار،
ومنھم إدوارد سعید، أن من أھم عوامل تسھیل الاستعمار الأوروبي وتبریره كان إنتاج المعرفة
التي تتواءم مع المشروع الاستعماري لتمكنیھ من السیطرة على الآخرین.
لا أرید أن أتھم البرلمان الأوروبي أو أي من مؤسساتھ بالسیطرة الاستعماریة، كما لا أرید أن
أقلل من شأن أعمالھ، ولكن مادامت أبرز قضایاه التي یدافع عنھا ھي قضیة حقوق الإنسان،
فینبغي والحال كذلك، أن یكون لدولة الإمارات العربیة المتحدة والدول الأخرى كلھا التي تتعرض
للتدخل السافر في شؤونھا، حق الرد. وھنا أتساءل، لماذا لا یتعمق البرلمان الأوروبي في دراسة
الظروف المحلیة والإقلیمیة التي تسمح لكثیر من الجھات المتطرفة أن تنشر أفكارھا التي لا تخدم
الاستقرار الاقتصادي أو السیاسي أو التعایش السلمي؟ لماذا لا یخصص البرلمان وقتاً أكثر لفھم
تاریخ الغرب الاستعماري الذي سلب كثیراً من الشعوب لغتھا، وھویتھا، وفي بعض الأحیان
طمس ھویتھا الفكریة والثقافیة والاجتماعیة؟ لماذا لا توجھ الھیئات المعنیة في البرلمان
الأوروبي وقتاً أكبر لإبراز روح التعاون الدولي من أجل الوصول إلى أھداف سامیة في شأن
حقوق الإنسان بدلاً من توجیھ اللوم وتكراره؟
في الختام، أود أن أؤكد أنھ لو كان ھناك اھتمام حقیقي وجاد بحقوق الإنسان، وبضرورة تحقیق
التعاون بین مؤسسات المجتمع الدولي كافة من أجل دعم ھذه الحقوق في مختلف دول العالم، لما
طالب البرلمان الأوروبي الشركات والمؤسسات بمقاطعة معرض إكسبو دبي، الذي ھو لیس ملكاً
لدبي ولا لدولة الإمارات فقط، وإنما ھو ملك للعالم بأسره، ینتظره بما فیھ من التجمع الثقافي
والاقتصادي والإنساني خاصة في ھذه المرحلة التي تشھد محاولات مضنیة لتحقیق التعافي من
تداعیات جائحة "كوفید-19 ."فھل فكر البرلمان في الخسائر التي ستلحق بھذه الشركات جراء
مقاطعتھا؟ وھل فكر في حق الأفراد، والمؤسسات، وأطیاف المجتمعات كافة في المشاركة في
ھذا المعرض العالمي؟ لو فكر البرلمان الأوروبي في ھذه الحقوق لما أصدر قراره الذي یتعلق-
كما یدّعي- بـ "حقوق الإنسان".
رابط المقال على الموقع الإلكتروني: 3zOm05Z/ly.bit://ht